بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله و الصلاة
والسلام على رسول الله ، ثم أما بعد :
يزيد بن معاوية – رحمه
الله – لم يكن بذلك الشاب اللاهي ،
كما تصوره لنا الروايات التاريخية الركيكة ؛ بل هو على خلاف ذلك ، لكن العجب في المؤلفين من الكتاب الذين لا يبحثون عن الخبر
الصحيح ، أو حتى عمّن يأخذوه ، فيجمعون في هذه المؤلفات
الغث و السمين من الروايات و الكلام الفارغ الملفق ، فتراهم يطعنون فيه
فيظهرون صورته و يشوهونها ، بأبشع تصوير .
و للأسف فإن بعض المؤرخين من أهل السنة أخذوا من هذه الروايات
الباطلة و أدرجوها في كتبهم ، أمثال ابن كثير في
البداية و النهاية ، وابن الأثير في الكامل ، وابن خلدون في العبر والإمام الذهبي في تاريخ الإسلام و في
غيرها من الكتب .
و المصيبة في هؤلاء الكتاب المعاصرين أنهم يروون هذا الطعن عن
بعض الشيعة المتعصبين أمثال أبي مخنف و الواقدي و ابن
الكلبي و غيرهم ، و غير هذا أن معظم هذه الكتب ألفت على عهد العباسيين ، وكما هو معروف مدى العداء بين
الأمويين و العباسيين ، فكانوا يبحثون عمّن يطعن في هؤلاء
فيملؤون هذه الكتب بالأكاذيب .
و هناك أمور و أشياء
أخرى و طامات كبرى في غيرها
من الكتب ، رويت لتشويه صورة و سيرة يزيد رحمه الله و والده معاوية رضي الله عنه ، و كان على رأس هؤلاء
الطاعنين بنو العباس وأنصار ابن الزبير حين خرج على يزيد و
الشيعة الروافض عليهم غضب الله ، و الخوارج قاتلهم الله و أخزاهم .
منقبة ليزيد بن معاوية :
أخرج البخاري عن خالد بن
معدان أن عمير بن الأسود العنسي حدثه
أنه أتى عبادة بن الصامت و هو نازل في ساحة حمص و هو في بناء له و معه أم حرام ، قال عمير : فحدثتنا أم حرام
أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : أول جيش من أمتي
يغزون البحر قد أوجبوا ، فقالت أم حرام : قلت يا رسول الله أنا فيهم ؟ قال : أنت فيهم . ثم قال النبي صلى
الله عليه وسلم أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور
لهم ، فقلت : أنا فيهم قال : لا . البخاري مع الفتح (6/120)
.
فتحرك الجيش نحو
القسطنطينية بقيادة بسر بن أرطأ رضي الله عنه عام خمسين من الهجرة ، فاشتد الأمر على المسلمين فأرسل بسر
يطلب المدد من معاوية فجهز معاوية جيشاً بقيادة ولده يزيد
، فكان في هذا الجيش كل من أبو أيوب الأنصاري و عبد الله بن عمر و ابن الزبير و ابن عباس وجمع غفير من
الصحابة ، رضي الله عنهم أجمعين .
و أخرج البخاري أيضاً ،
عن محمود بن الربيع في قصة عتبان بن مالك قال محمود : فحدثتها قوماً
فيهم أبو أيوب الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوته التي توفي فيها ، ويزيد بن معاوية عليهم
– أي أميرهم - بأرض الروم . البخاري مع الفتح (3/73)
.
و في هذا الحديث منقبة
ليزيد رحمه الله حيث كان في أول جيش يغزوا أرض
الروم .
بعضاً من سيرة يزيد
و لنقف قليلاً ، على بعض من سيرة يزيد بن معاوية رحمه الله قبل أن
يرشحه والده لولاية العهد ، و ما هي الحال التي كان عليها
قبل توليه الخلافة ، و مدى صدق الروايات التي جاءت تذم يزيد وتصفه بأوصاف مشينة .
عمل معاوية رضي الله عنه
جهده من البداية في سبيل إعداد ولده يزيد ، و
تنشئته التنشئة الصحيحة ، ليشب عليها عندما يكبر ، فسمح لمطلقته ميسون بنت بحدل الكلبية ، و كانت من
الأعراب ، و كانت من نسب حسيب ، و منها رزق بابنه يزيد ، - أنظر
ترجمتها في : تاريخ دمشق لابن عساكر - تراجم النساء -
(ص397-401) - ، و كان
رحمه الله وحيد أبيه ، فأحب معاوية رضي الله عنه أن يشب يزيد على حياة الشدة و الفصاحة فألحقه بأهل أمه ليتربى
على فنون الفروسية ، و يتحلى بشمائل النخوة و الشهامة
والكرم و المروءة ، إذ كان البدو أشد تعلقاً بهذه التقاليد .
كما أجبر معاوية ولده
يزيد على الإقامة في البادية ، و ذلك لكي يكتسب قدراً من الفصاحة في
اللغة ، كما هو حال العرب في ذلك الوقت .
و عندما رجع يزيد من البادية ، نشأ و تربى تحت إشراف والده ،
و نحن نعلم أن معاوية رضي الله عنه كان من رواة الحديث ، -
أنظر : تهذيب التهذيب لابن حجر (10/207) - ، فروى يزيد بعد ذلك عن والده هذه الأحاديث و بعض أخبار أهل العلم
. مثل حديث : من يرد الله به خيراً يفقه في الدين ، و
حديث آخر في الوضوء ، و روى عنه ابنه خالد و عبد الملك بن مروان ، و قد عده أبوزرعة الدمشقي في الطبقة التي
تلي الصحابة ، و هي الطبقة العليا .
البداية و النهاية لابن
كثير (8/226-227) .
و قد اختار معاوية
دَغْفَل بن حنظلة السدوسي الشيباني
(ت65هـ) ، مؤدباً لولده يزيد ، و كان دغفل علامة بأنساب العرب ، و خاصة نسب قريش ، و كذلك عارفاً بآداب
اللغة العربية . أنظر ترجمته في :
تهذيب التهذيب لابن حجر
(3/210) .
هذه بعضاً من سيرة يزيد
رحمه الله قبل توليه منصب الخلافة ، و
قبل أن يوليه والده ولاية العهد من بعده .
توليه منصب ولاية العهد بعد أبيه
بدأ معاوية رضي الله عنه
يفكر فيمن يكون الخليفة من بعده ، ففكر معاوية في
هذا الأمر و رأى أنه إن لم يستخلف و مات ترجع الفتنة مرة أخرى .
فقام معاوية رضي الله
عنه باستشارة أهل الشام في الأمر ، فاقترحوا أن يكون الخليفة من بعده
من بني أمية ، فرشح ابنه يزيد ، فجاءت الموافقة من مصر و باقي البلاد و أرسل إلى المدينة يستشيرها و إذ به
يجد المعارضة من الحسين و ابن الزبير ، و ابن عمر و
عبد الرحمن بن أبي بكر ، و ابن عباس . انظر : تاريخ الإسلام للذهبي – عهد الخلفاء الراشدين – (ص147-152) و
سير أعلام النبلاء (3/186) و الطبري
(5/303) و تاريخ خليفة (ص213) . و كان اعتراضهم حول تطبيق الفكرة نفسها ، لا
على يزيد بعينه .
و تجدر الإشارة هنا إلى
أن المؤرخين والمفكرين المسلمين قد وقفوا حيال هذه الفكرة
مواقف شتى ، ففيهم المعارض ، و منهم المؤيد ، و كانت حجة الفريق المعارض تعتمد على ما وردته بعض الروايات
التاريخية ، التي تشير أن يزيد بن معاوية كان شاباً لاهياً
عابثاً ، مغرماً بالصيد و شرب الخمر ، و تربية الفهود والقرود ، و الكلاب …
الخ . نسب قريش لمصعب الزبيري (ص127) و كتاب الإمامة والسياسة المنحول لابن قتيبة (1/163) و تاريخ اليعقوبي
(2/220) و كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي (5/17) و مروج
الذهب للمسعودي (3/77) و انظر حول هذه الافتراءات كتاب : صورة يزيد بن معاوية في الروايات الأدبية فريال بنت
عبد الله (ص 86- 122 ) .
و لكننا نرى أن مثل هذه الأوصاف لا تمثل الواقع
الحقيقي لما كانت عليه حياة يزيد بن معاوية ، فالإضافة إلى
ما سبق أن أوردناه عن الجهود التي بذلها معاوية في تنشئة وتأديب يزيد ، نجد رواية في مصادرنا التاريخية قد
تساعدنا في دحض مثل تلك الآراء .
فيروي البلاذري أن محمد
بن علي بن أبي طالب - المعروف بابن الحنفية - دخل يوماً على يزيد بن
معاوية بدمشق ليودعه بعد أن قضى عنده فترة من الوقت ، فقال له يزيد ، و كان له مكرماً : يا أبا القاسم ، إن كنت
رأيت مني خُلُقاً تنكره نَزَعت عنه ، و أتيت الذي تُشير
به علي ؟ فقال : والله لو رأيت منكراً ما وسعني إلاّ أن أنهاك عنه ، وأخبرك بالحق لله فيه ، لما أخذ الله
على أهل العلم عن أن يبينوه للناس ولا يكتموه ، وما رأيت
منك إلاّ خيراً . أنساب الأشراف للبلاذري (5/17)
.
و يروي ابن كثير أن عبد الله بن مطيع - كان داعية
لابن الزبير - مشى من المدينة هو و أصحابه إلى محمد ابن
الحنفية فأرادوه على خلع يزيد فأبى عليهم ، فقال ابن مطيع : إن يزيد يشرب الخمر و يترك الصلاة و يتعدى حكم
الكتاب ، فقال محمد ما رأيت منه ما تذكرون ، قد حضرته و
أقمت عنده فرأيته مواظباً على الصلاة متحرياً للخير يسأل عن الفقه ملازماً للسنة ، قالوا : ذلك كان منه
تصنعاً لك ، قال : و ما الذي خاف مني أو رجا حتى يظهر إليّ
الخشوع ؟ ثم أفأطلعكم على ما تذكرون من شرب الخمر ، فلئن كان أطلعكم على ذلك فإنكم لشركاؤه ، و إن لم يكن
أطلعكم فما يحل لكم أن تشهدوا بما لم تعلموا ، قالوا : إنه
عندنا لحق و إن لم نكن رأيناه ، فقال لهم : أبى الله ذلك على أهل الشهادة ، و لست من أمركم في شيء . البداية و
النهاية (8/233) و تاريخ الإسلام –
حوادث سنة
61-80هـ – (ص274) و قد حسّن
الأخ محمد الشيباني إسناده انظر مواقف المعارضة من خلافة يزيد
بن معاوية (ص384) .
كما أن مجرد موافقة عدد
من كبار الشخصيات الإسلامية ، من
أمثال عبد الله بن الزبير و عبد الله ابن عباس و ابن عمر و أبو أيوب الأنصاري ، على مصاحبة جيش يزيد في سيره
نحو القسطنطينية فيها خير دليل على أن يزيد كان يتميز
بالاستقامة ، و تتوفر فيه كثير من الصفات الحميدة ، ويتمتع بالكفاءة والمقدرة لتأدية ما يوكل إليه من مهمات
؛ وإلا لما وافق أمثال هؤلاء الأفاضل من الصحابة أن
يتولى قيادتهم شخص مثل يزيد .
و بالرغم من كل ما سبق أن أوردناه من روايات ، فإن أحد المؤرخين
المحدثين قد أعطى حكماً قاطعاً بعدم أهلية يزيد للخلافة ، دون أن
يناقش الآراء التي قيلت حول هذا الموضوع ، أو أن يقدم أي دليل تاريخي يعضد رأيه ، ويمضي ذلك المؤرخ المحدث
في استنتاجاته ، فيرى أن معاوية لم يبايع لولده يزيد
بولاية العهد ، إلاّ مدفوعاً بعاطفة الأبوة . أنظر كتاب :
موسوعة التاريخ الإسلامي
لأحمد شلبي (2/46-47 ، 51 ) .
لكننا نجد وجهة النظر التي أبداها الأستاذ محب الدين الخطيب - حول هذه
المسألة - جديرة بالأخذ بها للرد على ما سبق ، فهو يقول :
إن كان مقياس الأهلية لذلك أن يبلغ مبلغ أبي بكر وعمر في مجموع سجاياهما ، فهذا ما لم يبلغه في تاريخ
الإسلام ، ولا عمر بن عبد العزيز ، و إن طمعنا بالمستحيل و
قدرنا إمكان ظهور أبي بكر آخر و عمر آخر ، فلن تتاح له بيئة كالبيئة التي أتاحها الله لأبي بكر و عمر ، و إن
كان مقياس الأهلية ، الاستقامة في السيرة ، و القيام بحرمة
الشريعة ، والعمل بأحكامها ، و العدل في الناس ، و النظر في مصالحهم ، والجهاد في عدوهم ، وتوسيع الآفاق
لدعوتهم ، والرفق بأفرادهم و جماعاتهم ، فإن يزيد يوم
تُمحّص أخباره ، و يقف الناس على حقيقة حاله كما كان في حياته ، يتبين من ذلك أنه لم يكن دون كثيرين ممن
تغنى التاريخ بمحامدهم ، و أجزل الثناء عليهم . حاشية
العواصم من القواصم لابن العربي (ص221).
و نجد أيضاً في كلمات معاوية نفسه ما يدل على أن دافعه في
اتخاذ مثل هذه الخطوة هو النفع للصالح العام و ليس الخاص ، فقد
ورد على لسانه قوله : اللهم إن كنت إنما عهدت ليزيد لما رأيت من فضله ، فبلغه ما أملت و أعنه ، و إن كانت
إنما حملني حبّ الوالد لولده ، وأنه ليس لما صنعت به
أهلاً ، فاقبضه قبل أن يبلغ ذلك . تاريخ الإسلام للذهبي – عهد معاوية بن أبي سفيان – (ص169) و خطط الشام لمحمد
كرد علي (1/137) .
و يتبين من خلال دراسة هذه الفكرة – أي فكرة تولية يزيد
ولاية العهد من بعد أبيه - ، أن معاوية بن أبي سفيان رضي
الله عنهما كان محقاً فيما ذهب إليه ، إذ أنه باختياره لابنه يزيد لولاية العهد
من بعده ، قد ضمن للأمة الإسلامية وحدتها ، و حفظ لها استقرارها ، و جنبها
حدوث أية صراعات على مثل هذا المنصب .
و قد اعترف بمزايا خطوة معاوية هذه ، كل من ابن العربي ،
أنظر: العواصم من القواصم (ص228-229 )
.
و ابن خلدون الذي كان
أقواهما حجة ، إذا يقول : والذي دعا معاوية لإيثار ابنه يزيد بالعهد دون
سواه ، إنما هو مراعاة المصلحة في اجتماع الناس ، واتفاق أهوائهم باتفاق أهل الحل و العقد عليه - و حينئذ
من بني أمية - ثم يضيف قائلاً : و إن كان لا يظن بمعاوية
غير هذا ، فعدالته و صحبته مانعة من سوى ذلك ، و حضور أكابر الصحابة لذلك ، وسكوتهم عنه ، دليل على انتفاء
الريب منه ، فليسوا ممن تأخذهم في الحق هوادة ، وليس
معاوية ممن تأخذه العزة في قبول الحق، فإنهم - كلهم - أجلّ من ذلك ، و عدالتهم مانعة منه . المقدمة لابن خلدون
(ص210-211) .
و يقول في موضع آخر : عهد معاوية إلى يزيد ، خوفاً من
افتراق الكلمة بما كانت بنو أمية لم يرضوا تسليم الأمر إلى
من سواهم ، فلو قد عهد إلى غيره اختلفوا عليه ، مع أن ظنهم كان به صالحاً ، ولا يرتاب أحد في ذلك ، ولا يظن
بمعاوية غيره ، فلم يكن ليعهد إليه ،
و هو يعتقد ما كان عليه من الفسق ، حاشا لله لمعاوية من ذلك . المقدمة (ص206)
.
قلت : و قد رأى معاوية
رضي الله عنه في ابنه صلاحاً لولاية خلافة الإسلام بعده و هو أعلم الناس
بخفاياه و لو لم يكن عنده مرضياً لما اختاره .
و أما ما يظنه بعض الناس بأن معاوية كان أول من ابتدع
الوراثة في الإسلام ، فقد أخطأ الظن ،
فدافع معاوية في عهده لابنه يزيد بالخلافة من بعده ، كان محمولاً على البيعة من الناس و ليس كونه محمولاً على الوراثة ، و لو كان
ما رآه هو الأخير لما احتاج إلى بيعتهم بل لاكتفى ببيعته
منه وحده .
فإن قيل لو ترك الأمر
شورى يختار الناس ما يرونه خليفة من بينهم
، قلنا قد سبقه بذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه من بيعته لأبي بكر يوم السقيفة ، و سبقه أبو بكر أيضاً في
وصيته لعمر بولاية العهد من بعده ، و ما فعله عمر حين حصر
الخلافة في الستة .
و الغريب في الأمر أن
أكثر من رمى معاوية و عابه في تولية
يزيد و أنه ورثّه توريثاً هم الشيعة ، مع أنهم يرون هذا الأمر في علي بن أبي طالب و سلالته إلى اثني عشر
خليفة منهم .
و ليس افضل -
قبل أن ننتقل إلى موضوع
آخر - من أن نشير إلى ما أورده ابن العربي في كتابه العواصم من القواصم من رأي لأحد أفاضل الصحابة في هذا
الموضوع ، إذ يقول : دخلنا على رجل من أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم حين استخلف يزيد بن معاوية ، فقال : أتقولون إن يزيد ليس بخير أمة محمد ، لا أفقه فيها فقهاً ،
ولا أعظمها فيها شرفاً ؟ قلنا : نعم ،
قال : و أنا أقول ذلك ، و لكن و الله لئن تجتمع أمة محمد أحب إلىّ من أن تفترق .
العواصم من القواصم
(ص231) .
و هل يتصور أيضاً ما زعم
الكذابون ، من أن معاوية رضي الله عنه كان
غير راض عن لهو يزيد وفسقه ، و شربه ، و أنه أكثر من نصحه فلم ينتصح ، فقال – لما يئس من استجابته - : إذاً
عليك بالليل ، استتر به عن عيون الناس ، و إني منشدك
أبياتاً ، فتأدب بها و احفظها ، فأنشده :
انصب نهاراً في طلاب العلا * واصبر على هجر الحبيب القريب
حتى إذا الليل أتى
بالدجى * واكتحلت بالغمض عين الرقيب
فباشر الليل بما تشتهي *
فإنما الليل نهار الأريب
كم فاسق تحسبه ناسكاً *
قد باشر الليل بأمر عجيب
غطى عليه الليل أستاره فبات في أمن و عيش خصيب
و لذة لأحمق مكشوفة *
يشفي بها كل عدو غريب
كذا قال الكذابون الدهاة
، و لكن فضحهم الله ، فهذه الأبيات لم يقلها معاوية رضي الله عنه ولم
تكن قيلت بعدُ ، ولا علاقة لها بمعاوية ولا بيزيد ، ولا يعرفها أهل البصرة ، إلا ليحيى بن خالد البرمكي ،
أي الذي عاش زمن هارون الرشيد ، أي بعد معاوية و ابنه
بنحو مائة عام . أنظر : تاريخ دمشق لابن عساكر ( 65/403)
.
بعض من الأحاديث
المكذوبة في حق يزيد
و قد زورت أحاديث في ذم
يزيد كلها موضوعة لا يصح منها شيء
فهذه بعضها ، و إلا فهناك الكثير
:-
منها قول الحافظ أبو يعلى : عن أبي عبيدة أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال : لا يزال أمر أمتي قائماً بالقسط حتى يثلمه
رجل من بني أمية يقال له يزيد . هذا الحديث و الذي بعده منقطعة بل معضولة ، راجع البداية و النهاية
(8/231) .
و حديث آخر أورده ابن عساكر في تاريخه ، بلفظ : أول من يغير سنتي رجل
من بني أمية يقال له يزيد . تاريخ دمشق (18/160) ، و قد
حسن الشيخ الألباني سنده ، و قال معلقاً عليه : و لعل المراد بالحديث تغيير نظام اختيار الخليفة ، و جعله
وراثة ، و الله أعلم . الصحيحة
(4/329-330) . قلت : الحديث الذي حسنه الشيخ الألباني دون زيادة لفظة ( يقال له يزيد ) ، أما قوله بأن المراد تغيير نظام اختيار
الخليفة و جعله وراثياً ، فإن معاوية رضي الله عنه هو
أول من أخذ بهذا النظام و جعله وراثياً ، إذاً فالحديث لا يتعلق بيزيد بن معاوية بعينه ، و الله أعلم .
و منها أيضاً قول : لا
بارك الله في يزيد الطعان
اللعان ، أما أنه نُعي إلي حبيبي حسين . تلخيص كتاب الموضوعات لابن الجوزي ، للإمام الذهبي ( ص159)
.
علاقة يزيد بآل البيت
رضي الله عنهم
و لم يقع بين يزيد و بين
أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يعكر العلاقة و القرابة
بينهما سوى خروج الحسين و بعض أهله و مقتلهم على يد أهل العراق بكربلاء و مع هذا فقد بقيت العلاقة الحسنة بين
يزيد و آل البيت و كانوا أولاد عمومته و نراهم قد
اجتنبوا الخروج عليه أيام الحرة و مكة بل كانت صلته بعلي بن الحسين و عبد الله بن العباس و محمد بن الحنفية
أيام الحرة جيدة . أما عبد الله بن جعفر فقد كانت صلته
بمعاوية و يزيد من بعده غاية في المودة و الصداقة والولاء و كان يزيد لا يرد لابن جعفر طلباً و كانت عطاياه له
تتوارد فيقوم ابن جعفر بتوزيعها على أهل المدينة ، و كان عبد
الله بن جعفر يقول في يزيد أتلومونني على حسن الرأي في هذا .
قيد الشريد في أخبار
يزيد (ص35) .
موقف العلماء من يزيد بن
معاوية
و قد سئل حجة الإسلام أبو حامد الغزالي عمن يصرح بلعن
يزيد بن معاوية ، هل يحكم بفسقه أم لا ؟ و هل كان راضياً
بقتل الحسين بن علي أم لا ؟ و هل يسوغ الترحم عليه أم لا ؟ فلينعم بالجواب مثاباً .
فأجاب : لا يجوز لعن
المسلم أصلاً ، و من لعن مسلماً فهو الملعون ، و
قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : المسلم ليس بلعان ، -
المسند (1/405) و
الصحيحة (1/634) و صحيح سنن الترمذي (2/189) - ، و كيف يجوز لعن المسلم ولا يجوز لعن البهائم وقد ورد النهي عن
ذلك - لحديث عمران بن الحصين قال :
بينما رسول الله صلى
الله عليه وسلم في بعض أسفاره و امرأة من الأنصار على ناقة ، فضجرت فلعنتها ، فسمع ذلك النبي صلى الله عليه و سلم فقال : خذوا ما عليها و دعوها فإنها ملعونة ، قال عمران : فكأني أراها الآن
تمشي في الناس ما يعرض لها أحد. جمع الفوائد (3/353) - ، و
حرمة المسلم أعظم من حرمة الكعبة بنص النبي صلى الله عليه وسلم - هو أثر موقوف على ابن عمر بلفظ : نظر عبد
الله بن عمر رضي الله عنه يوماً إلى الكعبة فقال : ما
أعظمك و أعظم حرمتك ، و المؤمن أعظم حرمة منك ، و هو حديث حسن ،
أنظر : غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال و الحرام للشيخ الألباني (ص197) - ،
و قد صح إسلام يزيد بن
معاوية و ما صح قتله الحسين ولا أمر به ولا رضيه ولا كان حاضراً حين قتل ، ولا يصح ذلك منه ولا يجوز أن
يُظن ذلك به ، فإن إساءة الظن بالمسلم حرام و قد قال
الله تعالى{اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم
}[الحجرات/12] ، و من زعم
أن يزيد أمر بقتل الحسين أو رضي به ، فينبغي أن يعلم أن به غاية الحمق ، فإن من كان من الأكابر والوزراء
، و السلاطين في عصره لو أراد أن يعلم حقيقة من الذي أمر
بقتله و من الذي رضي به و من الذي كرهه لم يقدر على ذلك ، و إن كان الذي قد قُتل في جواره و زمانه و هو
يشاهده ، فكيف لو كان في بلد بعيد ، و زمن قديم قد انقضى ،
فكيف نعلم ذلك فيما انقضى عليه قريب من أربعمائة سنة في مكان بعيد ، و قد تطرق التعصب في الواقعة فكثرت فيها
الأحاديث من الجوانب فهذا الأمر لا تُعلم حقيقته أصلاً ، و
إذا لم يُعرف وجب إحسان الظن بكل مسلم يمكن إحسان الظن به .
و مع هذا فلو ثبت على
مسلم أنه قتل مسلماً فمذهب أهل الحق أنه ليس بكافر ، و القتل ليس بكفر ، بل هو معصية ، و إذا مات القاتل فربما
مات بعد التوبة و الكافر لو تاب من كفره لم تجز لعنته
فكيف بمؤمن تاب عن قتل .. و لم يُعرف أن قاتل الحسين مات قبل التوبة و قد قال الله تعالى {و هو الذي يقبل
التوبة عن عباده ، و يعفوا عن السيئات و يعلم ما
تفعلون}[الشورى/25] فإذن لا يجوز لعن أحد ممن مات من المسلمين بعينه لم يروه النص ، و من لعنه كان فاسقاً عاصياً لله
تعالى . و لو جاز لعنه فسكت لم يكن عاصياً بالإجماع ، بل لو
لم يلعن إبليس طول عمره مع جواز اللعن عليه لا يُقال له يوم القيامة : لِمَ لَمْ تلعن إبليس ؟ و يقال
للاعن : لم لعنت و مِنْ أين عرفت أنه مطرود ملعون ، و الملعون
هو المبعد من الله تعالى و ذلك علوم الغيب ، و أما الترحم عليه فجائز ، بل مستحب ، بل هو داخل في قولنا :
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات ، فإنه كان مؤمناً و الله
أعلم بالصواب . قيد الشريد من أخبار يزيد (ص57-59)
.
و قد سئل ابن الصلاح عن
يزيد فقال : لم يصح عندنا أنه أمر بقتل الحسين رضي الله عنه والمحفوظ أن
الآمر بقتاله المفضي إلى قتله إنما هو عبيد الله بن زياد والي العراق إذ ذاك ، و أما سب يزيد و لعنه فليس ذلك
من شأن المؤمنين ، و إن صح أنه قتله أو أمر بقتله ، و
قد ورد في الحديث المحفوظ : إن لعن المؤمن كقتاله - البخاري مع الفتح (10/479) -، و قاتل الحسين لا يكفر بذلك
، و إنما ارتكب إثماً ، و إنما يكفر بالقتل قاتل نبي من
الأنبياء عليهم الصلاة و السلام .
و الناس في يزيد على ثلاث فرق ، فرقة تحبه و تتولاه ، و فرقة تسبه
و تلعنه و فرقة متوسطة في ذلك ، لا تتولاه ولا تلعنه و
تسلك به سبيل سائر ملوك الإسلام و خلفائهم غير الراشدين في ذلك و شبهه ، و هذه هي المصيبة – أي التي أصابت
الحق - مذهبها هو اللائق لمن يعرف سِيَر الماضين و يعلم
قواعد الشريعة الظاهرة . قيد الشريد (ص59-60)
.
و سُئل شيخ الإسلام عن يزيد أيضاً فقال : افترق الناس في
يزيد بن معاوية بن أبي سفيان ثلاث فرق طرفان و وسط ، فأحد الطرفين
قالوا : إنه كان كافراً منافقاً ، و إنه سعى في قتل سِبط رسول الله تشفياً
من رسول الله صلى الله عليه وسلم و انتقاماً منه و أخذاً بثأر جده عتبة و أخي جده شيبة و خاله الوليد بن
عتبة و غيرهم ممن قتلهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بيد
علي بن أبي طالب و غيره يوم بدر و غيرها ، و قالوا تلك أحقاد بدرية و آثار
جاهلية . و هذا القول سهل على الرافضة الذين يكفرون أبا بكر و عمر وعثمان ، فتكفير يزيد أسهل بكثير . و الطرف
الثاني يظنون أنه كان رجلاً صاحاً و إماماً عدل و إنه كان من
الصحابة الذين ولدوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم و حمله بيده و برّك عليه و ربما فضله بعضهم على أبي
بكر و عمر، و ربما جعله بعضهم نبياً .. و هذا قول
غالية العدوية و الأكراد و نحوهم من الضُلاّل . و القول الثالث :
أنه كان ملكاً من ملوك
المسلمين له حسنات و سيئات و لم يولد إلا في خلافة عثمان و لم يكن كافراً و لكن جرى بسببه ما جرى من مصرع
الحسين و فُعل ما فعل بأهل الحرة ، و لم يكن صحابياً ولا من
أولياء الله الصالحين و هذا قول عامة أهل العقل و العلم و السنة و الجماعة . ثم افترقوا ثلاث فرق ، فرقة
لعنته و فرقة أحبته و فرقة لا تسبه ولا تحبه و هذا هو
المنصوص عن الأمام أحمد و عليه المقتصدون من أصحابه و غيرهم من جميع المسلمين . سؤال في يزيد (ص26).
وفاة يزيد بن معاوية
في أثناء حصار مكة جاءت الأخبار بوفاة يزيد بن معاوية رحمه الله
و البيعة لابنه معاوية .
و كان ذلك لعشر خلت من
ربيع الأول سنة أربع و ستين ، و كانت وفاته بحوران و قيل حوارين من أرض الشام
، قال عبد الرحمن أبي معذور : حدثني بعض أهل العلم قال :
آخر ما تكلم به يزيد بن
معاوية : اللهم لا تؤاخذني بما لم أحبه و لم أرده . قيد الشريد (ص50)
.
يزيد رحمه الله قد شوهت
سيرته كما قلت تشويهاً عجيباً ، فنسبوا إليه شرب الخمر و
الفجور و ترك الصلاة و تحميله أخطاء غيره دونما دليل .
فيطعنون فيه و في دينه ،
فقط لأجل أن يشوهوا و يثبتوا أنه لا يستحق الخلافة ، ولا شك أنه
مفضول و أن الحسين و غيره من الصحابة كانوا أفضل منه بدرجات و لهم صحبة و سابقية في الإسلام ، لكن الطعن في
دينه أمرٌ غير ثابت ، بدلالة أثر ابن الحنفية الذي ذكرته
آنفاً ، و هناك قول مشابه لابن عباس يثبت فيه أن يزيد براء من هذه الأقوال التي يقولونها فيه ، و هو أنه لما
قدم ابن عباس وافداً على معاوية رضي الله عنه ، أمر معاوية
ابنه يزيد أن يأتيه – أي أن يأتي ابن عباس - ، فأتاه في منزله ، فرحب به ابن عباس و حدثه ، فلما خرج ،
قال ابن عباس : إذا ذهب بنو حرب ذهب علماء الناس . البداية
والنهاية (8/228-229) و تاريخ دمشق (65/403-404).
يقول الله تعالى {يأيها
الذين أمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا
على ما فعلتم نادمين }[الحجرات/6] فأبو مخنف هذا و أمثاله من الرواة الكذابين الغالين ممن ينطبق عليهم لفظ
الفاسق ، فلا يقبل لهم قول خاصة إذا كان فيه طعن في أحد من
المسلمين ، فما بالك إذا كان هذا المطعون فيه و في دينه خليفة المسلمين و إمامهم ؟! فهذا من باب أولى أن
يرد ويرفض .
أما ما لفقوه بيزيد من أن له يداً في قتل الحسين ، و أنهم
فسروا كلامه لعبيد الله بن زياد بأن يمنع الحسين من دخول
الكوفة و أن يأتيه به ، يعني اقتله و ائتني برأسه ، فهذا لم يقل به أحد و إنما هو من تلبيس الشيطان على الناس
و إتباعهم للهوى و التصديق بكل ما يرويه الرافضة من روايات
باطلة تقدح في يزيد و معاوية ، و أن أهل العراق و الأعراب هم الذين خذلوا الحسين و قتلوه رضي الله عنه كما
قال بذلك العلماء .
و يشهد لذلك ما رواه البخاري عن شعبة عن محمد بن أبي
يعقوب سمعت عبد الرحمن بن أبي نعيم :
أن رجلاً من أهل العراق
سأل ابن عمر عن دم البعوض يصيب الثوب ؟ فقال ابن عمر : انظر إلى هذا يسأل عن دم البعوض و قد قتلوا ابن بنت
رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول : إن الحسن و الحسين هما ريحانتاي من الدنيا . الفتح (10/440) و صحيح سنن الترمذي
(3/224) .
أما قول الإمام الذهبي في سيره عن يزيد بأنه ممن لا نسبه ولا
نحبه و أنه كان ناصبياً فظاً غليظاً جلفاً متناول المسكر و
يفعل المنكر . سير أعلام النبلاء (4/36)
.
قلت : إن الإنصاف العظيم الذي يتمتع به الذهبي رحمه الله
جعله لا يكتفي بسرد تاريخ المترجم له دون التعليق - غالباً
- على ما يراه ضرورياً لإنصافه ؛ و ذلك نحو الحكم على حكاية ألصقت به و هي
غاضّة من شأنه ، أو ذكر مبرر لعمل ظنه الناس شيئاً و هو يحتمل أوجهاً أخرى ، أو نقد لتصرفاته نقداً شرعياً ، ثم
يحاول أن يخرج بحكم عام على المترجم له مقروناً
بالإنصاف .
و هذا العمل _ أي
الإنصاف في الحكم على الأشخاص _ يعطي ضوءاً
كاشفاً تستطيع أن تستفيد منه الصحوة المباركة ، فهي صحوة توشك أن تعطي ثمارها لولا ما يكدرها من تصرفات بعض ذوي
النظرات القاتمة الذين يرمون العلماء و الدعاة بالفسق
و الابتداع و الميل عن مذهب السلف لأي زلة ، لا يعذرون أحداً، و لا يتقون الله
في ظنٍّ مرجوح .
و هناك بعض آخر لا
يستطيع العيش إلا بالطعن على المخالف ، و
نسيان محاسنه و كتمانها ، فهؤلاء و أمثالهم تكفل الإمام الذهبي بالرد عليهم في سفره العظيم سير أعلام
النبلاء .
و قلت أيضاً : هذا قول و كلٌ يؤخذ من كلامه و يرد إلا رسول الله صلى
الله عليه وسلم .
و أما عن تناوله المسكر و غيرها من الأمور قلت : هذا لا
يصح كما أسلفت و بينت رأي ابن الحنفية في ذلك - و هذه
شهادة ممن قاتل معاوية مع أبيه ، فأحرى به أن يكون عدواً له كارهاً لملكه و ولده -
.
و قلت أيضاً : إن هذا لا
يحل إلا بشاهدين ، فمن شهد بذلك ؟ وقد شهد العدل
بعدالته ، روى يحيى بن بكير عن الليث بن سعد (ت 147هـ) قال الليث : توفي أمير المؤمنين يزيد في تاريخ كذا ،
فسماه الليث أمير المؤمنين بعد ذهاب ملكهم و انقراض
دولتهم ، ولولا كونه عنده كذلك ما قال : إلا توفي يزيد .
العواصم من القواصم
(ص232-234) .
و هذا الإمام أحمد بن
حنبل رحمه الله على تقشفه و عظم منزلته في
الدين و ورعه قد أدخل عن يزيد بن معاوية في كتابه الزهد أنه كان يقول في خطبته : إذا مرض أحدكم مرضاً فأشقى
ثم تماثل ، فلينظر إلى أفضل عمل عنده فليلزمه و لينظر
إلى أسوأ عمل عنده فليدعه . أنظر : العواصم من القواصم (ص245)
.
و هذا لا يتعارض مع ما
قاله شيخ الإسلام ابن تيمية نقلاً عن الإمام أحمد عندما سُئل أتكتب الحديث
عن يزيد ، قال : لا ، و لا كرامة ، أوَ ليس هو الذي فعل بأهل المدينة ما فعل . سؤال في يزيد (ص27)
.
و كان رفض الإمام أحمد
رواية حديث رسول الله صلى الله
عليه وسلم عنه ليس دليلاً على فسقه ، و ليس كل مجروح في رواية الحديث لا تقبل أقواله ، فهناك عشرات من
القضاة والفقهاء ردت أحاديثهم و هم حجة في باب الفقه . في
أصول تاريخ العرب الإسلامي ، محمد محمد حسن شرّاب (ص 152)
.
و هذا يدل على عظم
منزلته – أي يزيد بن معاوية - عنده حتى يدخله في جملة الزهاد من الصحابة و
التابعين الذين يقتدى بقولهم و يرعوى من وعظهم ، و ما أدخله إلا في جملة الصحابة قبل أن يخرج إلى ذكر
التابعين ، فأين هذا من ذكر المؤرخين له في الخمر و أنواع الفجور
، ألا يستحيون ؟! و إذا سلبهم الله المروءة و الحياء ، ألا ترعوون أنتم و تزدجرون و تقتدون بفضلاء الأمة ، و
ترفضون الملحدة و المجّان من المنتمين إلى الملة .
العواصم من القواصم (ص246) .
و قد أنصف أهل العلم و العقل و السنة و الجماعة على أن يزيد كان ملكاً
من الملوك المسلمين له حسنات و له سيئات و لم يكن صحابياً
و لم يكن كافراً .
و المؤمن الحق يعرف
جيداً أن الله تعالى غير سائله
عما حصل بين علي و معاوية أو بين يزيد والحسين أو الذين جاءوا من بعدهم إنما العبد يسئل عما قدم لنفسه .
و أخيراً فالعبد التقي
الخفي لا ينشغل بذنوب العباد و
ينسى نفسه كما قال صلى الله عليه وسلم : يبصر أحدكم القذاة في عين أخيه و ينسى الجذع أو الجدل في عينه معترضاً
. أنظر : السلسلة الصحيحة (1/74)
.
من موقع اسلام ويب
|
تراجع وتخبط
لم يثبت ان يزيد قتل او حتى
حرض على قتل الحسين رضى الله عنه ولن اضيف على ما نقلته من كلام الامام الغزالى رحمه الله حين سئل عن ذلك فقال:
قد سئل حجة الإسلام أبو حامد الغزالي عمن يصرح بلعن يزيد بن معاوية ، هل يحكم
بفسقه أم لا ؟ و هل كان راضياً بقتل الحسين بن علي أم لا ؟ و هل يسوغ الترحم عليه أم
لا ؟ فلينعم بالجواب مثاباً .
فأجاب : لا يجوز لعن المسلم
أصلاً ، و من لعن مسلماً فهو الملعون ، و قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : المسلم ليس بلعان
، - المسند (1/405) و الصحيحة (1/634) و صحيح سنن الترمذي (2/189) - ، و كيف يجوز لعن
المسلم ولا يجوز لعن البهائم وقد ورد النهي عن ذلك - لحديث عمران بن الحصين
قال : بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره و امرأة من الأنصار على
ناقة ، فضجرت فلعنتها ، فسمع ذلك النبي صلى الله عليه و سلم فقال : خذوا ما عليها
و دعوها فإنها ملعونة ، قال عمران : فكأني أراها الآن تمشي في الناس ما يعرض لها
أحد. جمع الفوائد (3/353) - ، و حرمة
المسلم أعظم من حرمة الكعبة بنص النبي صلى الله عليه وسلم - هو أثر موقوف على ابن عمر بلفظ : نظر عبد الله بن عمر رضي الله عنه
يوماً إلى الكعبة فقال : ما أعظمك و أعظم حرمتك ، و المؤمن أعظم حرمة منك ، و هو حديث
حسن ، أنظر : غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال و الحرام للشيخ الألباني (ص197)
- ، و قد صح إسلام يزيد بن معاوية و ما صح قتله الحسين ولا أمر به ولا رضيه ولا
كان حاضراً حين قتل ، ولا يصح ذلك منه ولا يجوز أن يُظن ذلك به ، فإن إساءة الظن
بالمسلم حرام و قد قال الله تعالى{اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم
}[الحجرات/12] ، و من زعم أن يزيد أمر بقتل الحسين أو رضي به ، فينبغي أن يعلم أن به غاية
الحمق ، فإن من كان من الأكابر والوزراء ، و السلاطين في عصره لو أراد أن يعلم حقيقة من
الذي أمر بقتله و من الذي رضي به و من الذي كرهه لم يقدر على ذلك ، و إن كان الذي قد
قُتل في جواره و زمانه و هو يشاهده ، فكيف لو كان في بلد بعيد ، و زمن قديم قد
انقضى ، فكيف نعلم ذلك فيما انقضى عليه قريب من أربعمائة سنة في مكان بعيد ، و قد تطرق
التعصب في الواقعة فكثرت فيها الأحاديث من الجوانب فهذا الأمر لا تُعلم حقيقته
أصلاً ، و إذا لم يُعرف وجب إحسان الظن بكل مسلم يمكن إحسان الظن به . و مع هذا فلو
ثبت على مسلم أنه قتل مسلماً فمذهب أهل الحق أنه ليس بكافر ، و القتل ليس بكفر ،
بل هو معصية ، و إذا مات القاتل فربما مات بعد التوبة و الكافر لو تاب من كفره لم تجز
لعنته فكيف بمؤمن تاب عن قتل .. و لم يُعرف أن قاتل الحسين مات قبل التوبة و قد
قال الله تعالى {و هو الذي يقبل التوبة عن عباده ، و يعفوا عن السيئات و يعلم ما تفعلون}[الشورى/25] فإذن لا يجوز لعن أحد ممن مات من المسلمين بعينه
لم يروه النص ، و من لعنه كان فاسقاً عاصياً لله تعالى . و لو جاز لعنه فسكت لم يكن
عاصياً بالإجماع ، بل لو لم يلعن إبليس طول عمره مع جواز اللعن عليه لا
يُقال له يوم القيامة : لِمَ لَمْ تلعن إبليس ؟ و يقال للاعن : لم لعنت و مِنْ أين
عرفت أنه مطرود ملعون ، و الملعون هو المبعد من الله تعالى و ذلك علوم الغيب ،
و أما الترحم عليه فجائز ، بل مستحب ، بل هو داخل في قولنا : اللهم اغفر للمؤمنين
والمؤمنات ، فإنه كان مؤمناً و الله أعلم بالصواب . قيد الشريد من أخبار يزيد
(ص57-59) .
و قد سئل ابن الصلاح عن يزيد
فقال : لم يصح عندنا أنه أمر بقتل الحسين رضي الله عنه والمحفوظ أن الآمر بقتاله المفضي إلى قتله إنما هو عبيد
الله بن زياد والي العراق إذ ذاك ، و أما سب يزيد و لعنه فليس ذلك من شأن المؤمنين ، و
إن صح أنه قتله أو أمر بقتله ، و قد ورد في الحديث المحفوظ : إن لعن المؤمن
كقتاله - البخاري مع الفتح (10/479) -، و قاتل الحسين لا يكفر بذلك ، و إنما ارتكب
إثماً ، و إنما يكفر بالقتل قاتل نبي من الأنبياء عليهم الصلاة و السلام .
قصة اغتيال يزيد بن معاوية للحسن بن
علي بالسم عن طريق زوجة الحسن المتآمرة على زوجها الحسن بإغراءٍ من يزيدٍ لها،
وهذه القصة ضعيفة وإليك بيان ضعفها:
1-
وردت هذه القصة في تهذيب الكمال (6/453) وفي سندها ابن جديعة يزيد بن
عياض، قال عنه ابن حجر في تقريب التهذيب (604) : كذبه مالك.
2-
ووردت
هذه القصة أيضاً في مقاتل الطالبين (73) وفي سندها أحمد بن عبدالله بن عمار ، قال
عنه الذهبي ميزان الاعتدال (1/118) : من رؤوس الشيعة.
3-
وفي
سندها من وجه آخر أيضاً عيسى بن مهران قال عنه الذهبي في ميزان الاعتدال (4/406) : رافضي كذاب وقال
عنه الخطيب: من شياطين الرافضة، وقد وقع لي كتاباً له كفر
فيه الصحابة.
4-
و وردت في أنساب الأشراف للبلاذري (3/59) وفي سندها الهيثم بن عدي
قال عنه الذهبي في ميزان الاعتدال (4/324) برقم 9311 ما نصه:
الهيثم بن عدى الطائى، أبو عبد
الرحمن المنبجى، ثم الكوفى.قال البخاري: ليس بثقة.
كان يكذب. وروى عباس، عن يحيى: ليس
بثقة، كان يكذب. وقال أبو داود: كذاب. وقال النسائي وغيره: متروك
الحديث. وقال ابن المدينى: هو أوثق من
الواقدي، ولا أرضاه في شئ.
اذا كان يزيد كافر كيف يبايع زين العابدين
يبايع يزيد رحمهم الله
الكافي - الشيخ الكليني ج 8 ص 234
:
313 - إبن محبوب ، عن أبي أيوب ، عن بريد
بن معاوية قال : سمعت أبا جعفر ( عليه السلام ) يقول : إن يزيد بن معاوية دخل المدينة
وهو يريد الحج ( 2 ) فبعث إلى رجل من قريش فأتاه فقال له يزيد : اتقر لي أنك عبد لي
، إن شئت بعتك وإن شئت استرقيتك فقال له الرجل : والله يا يزيد ما أنت بأكرم مني في
قريش حسبا ولا كان أبوك أفضل من أبي في الجاهلية والاسلام وما أنت بأفضل مني في الدين
ولا بخير مني فكيف أقر لك بما سألت ؟ فقال له يزيد : إن لم تقر لي والله قتلتك ، فقال
له الرجل : ليس قتلك إياي بأعظم من قتلك الحسين بن علي ( عليهما السلام ) ابن رسول
الله ( صلى الله عليه وآله ) فأمر به فقتل .
( حديث على بن الحسين ( عليهما السلام
) مع يزيد لعنه الله )
ثم أرسل إلى علي بن الحسين ( عليهما السلام
) فقال له : مثل مقالته للقرشي فقال له علي بن الحسين ( عليهما السلام ) : أرأيت إن
لم أقر لك أليس تقتلني كما قتلت الرجل بالامس ؟ فقال له يزيد لعنه الله : بلى فقال
له علي بن الحسين ( عليهما السلام ) : قد أقررت لك بما سألت أنا عبد مكره فإن شئت فأمسك
وإن شئت فبع ، فقال له يزيد لعنه الله : أولى لك ( 1 ) حقنت دمك ولم ينقصك ذلك من شرفك
.
===============
الحسين كان يريد مبايعة يزيد قبل استشهاده
و لما رأى الحسين نزول العساكر مع عمر بن
سعد بنينوى و مددهم لقتاله أنفذ إلى عمر بن سعد أني أريد أن ألقاك فاجتمعا ليلا فتناجيا
طويلا ثم رجع عمر بن سعد إلى مكانه و كتب إلى عبيد الله بن زياد. أما بعد فإن الله
قد أطفأ النائرة و جمع الكلمة و أصلح أمر الأمة هذا حسين قد أعطاني عهدا أن يرجع إلى
المكان الذي أتى منه أو أن يسير إلى ثغر من الثغور فيكون رجلا من المسلمين له ما لهم
و عليه ما عليهم أو أن يأتي أمير المؤمنين يزيد فيضع يده في يده فيرى فيما بينه و بينه
رأيه و في هذا لكم رضى و للأمة صلاح.
الإرشاد ج : 2 ص :-87
هذا ما نقله شيخهم المفيد عن موافقة الحسين
مبايعة يزيد
==========
علامة الرافضة الكبير الشريف المرتضي يقول
الحسين إجتهد في خروجه
------------------------------
الشريف المرتضى
وهذا من كبار علماء المذهب الإثناعشري السبئي
ومن عظمائهم
وأحد أبرز تلاميذ المفيد الأخ السديد الولي
الرشيد الناطق بالصدق عن عج
فقد تحدث عن خروج الحسين رضي الله عنه فأتي
بهذه البواقع التي تهدم
عصمة الأئمة ولكثرتها نلونها لهم باللون
الأحمر
يقول في كتابه تنزيه الانبياء في الصفحات
التالية مؤيداً قول الكثير من علماء السنة ان
الحسين إجتهد في خروجه ما يلي::-
[ 227 ]
: (مسألة): فإن قيل: ما العذر في خروجه
عليه السلام من مكة بأهله وعياله إلى الكوفة والمستولى عليها أعداؤه، والمتامر فيها
من قبل يزيد منبسط الامر والنهي، وقد رأى عليه السلام صنع أهل الكوفة بأبيه وأخيه،
وأنهم غدارون خوانون، وكيف خالف ظنه ظن جميع أصحابه في الخروج وابن عباس يشير بالعدول
عن الخروج ويقطع على العطب فيه، وابن عمر لما ودعه يقول استودعك الله من قتيل، إلى
غير ما ذكرناه ممن تكلم في هذا الباب. ثم لما علم بقتل مسلم بن عقيل (رضي) وقد انفذه
رائدا له، كيف لم يرجع لما علم الغرور من القوم وتفطن بالحيلة والمكيدة، ثم كيف استجاز
ان يحارب بنفر قليل لجموع عظيمة خلفها، لها مواد كثيرة. ثم لما عرض عليه ابن زياد الامان
وأن يبايع يزيد، كيف لم يستجب حقنا لدمه ودماء من معه من أهله وشيعته ومواليه. ولم
القى بيده إلى التهلكة وبدون هذا الخوف سلم أخوه الحسن عليه السلام الامر إلى معاوية،
فكيف يجمع بين فعليهما بالصحة ؟ (الجواب): قلنا قد علما أن الامام متى غلب في ظنه يصل
إلى حقه والقيام بما فوض إليه بضرب من الفعل، وجب عليه ذلك وان كان فيه ضرب من المشقة
يتحمل مثلها تحملها، وسيدنا أبو عبد الله عليه السلام
[ 228 ]
لم يسر طالبا للكوفة الا بعد توثق من القوم
وعهود وعقود، وبعد ان كاتبوه عليه السلام طائعين غير مكرهين ومبتدئين غير مجيبين. وقد
كانت المكاتبة من وجوه أهل الكوفة واشرافها وقرائها، تقدمت إليه في أيام معاوية وبعد
الصلح الواقع بينه وبين الحسن (عليه السلام) فدفعهم وقال في الجواب ما وجب. ثم كاتبوه
بعد وفاة الحسن (عليه السلام) ومعاوية باق فوعدهم ومناهم، وكانت أياما صعبة لا يطمع
في مثلها. فلما مضى معاوية وأعادوا المكاتبة بذلوا الطاعة وكرروا الطلب والرغبة ورأى
(عليه السلام) من قوتهم على من كان يليهم في الحال من قبل يزيد، وتشحنهم عليه وضعفه
عنهم، ما قوى في ظنه ان المسير هو الواجب، تعين عليه ما فعله من الاجتهاد والتسبب،
ولم يكن في حسابه أن القوم يغدر بعضهم، ويضعف أهل الحق عن نصرته ويتفق بما اتفق من
الامور الغريبة. فإن مسلم بن عقيل رحمة الله عليه لما دخل الكوفة أخذ البيعة على أكثر
أهلها. ولما وردها عبيد الله بن زياد وقد سمع بخبر مسلم ودخوله الكوفة وحصوله في دار
هاني بن عروة المرادى رحمة الله عليه على ما شرح في السير، وحصل شريك بن الاعور بها
جاءه ابن زياد عايدا وقد كان شريك وافق مسلم بن عقيل على قتل ابن زياد عند حضوره لعيادة
شريك، وامكنه ذلك وتيسر له، فما فعل واعتذر بعد فوت الامر إلى شريك بأن ذلك فتك، وأن
النبي صلى الله عليه وآله قال أن الايمان قيد الفتك. ولو كان فعل مسلم بن عقيل من قتل
ابن زياد ما تمكن منه، ووافقه شريك عليه لبطل الامر. ودخل الحسين على السلام الكوفة
غير مدافع عنها، وحسر كل أحد قناعه في نصرته، واجتمع له من كان في قلبه نصرته وظاهره
مع أعدائه. وقد كان مسلم بن عقيل أيضا لما حبس ابن زياد هانيا سار إليه في جماعة من
أهل الكوفة، حتى حصره في قصره وأخذ بكظمه، وأغلق ابن زياد الابواب دونه خوفا وجبنا
حتى بث الناس في كل وجه يرغبون الناس ويرهبونهم ويخذلونهم عن ابن عقيل، فتقاعدوا عنه
وتفرق أكثرهم، حتى أمسى في شر ذمة، ثم انصرف وكان من أمره ماكان. وإنما أردنا بذكر
هذه
[ 229 ]
الجملة أن أسباب الظفر بالاعداء كانت لا
يحة متوجهة، وان الاتفاق السئ عكس الامر وقلبه حتى تم فيه ماتم. وقد هم سيدنا أبو عبد
الله عليه السلام لما عرف بقتل مسلم بن عقيل، وأشير عليه بالعود فوثب إليه بنو عقيل
وقالوا والله لا ننصرف حتى ندرك ثأرنا أو نذوق ما ذاق أبونا. فقال عليه السلام: لا
خير في العيش بعد هؤلاء. ثم لحقه الحر بن يزيد ومن معه من الرجال الذين انفذهم ابن
زياد، ومنعه من الانصراف، وسامه ان يقدمه على ابن زياد نازلا على حكمه، فامتنع. ولما
رأى أن لا سبيل له إلى العود ولا إلى دخول الكوفة، سلك طريق الشام سائرا نحو يزيد بن
معاوية لعلمه عليه السلام بأنه على ما به أرق من ابن زياد وأصحابه، فسار عليه السلام
حتى قدم عليه عمر بن سعد في العسكر العظيم، وكان من أمره ما قد ذكر وسطر، فكيف يقال
انه القى بيده إلى التهلكة ؟ وقد روى أنه صلوات الله وسلامه عليه وآله قال لعمر بن
سعد: اختاروا منى إما الرجوع إلى المكان الذي اقبلت منه، أو ان اضع يدي في يد يزيد
ابن عمى ليرى في رأيه، وإما ان تسيروني إلى ثغر من ثغور المسلمين، فأكون رجلا من أهله
لى ماله وعلي ما عليه. وان عمر كتب إلى عبيد الله بن زياد بما سئل فأبى عليه وكاتبه
بالمناجزة وتمثل بالبيت المعروف وهو: الآن علقت مخالبنا به * يرجو النجاة ولات حين
مناص فلما رأى (ع) إقدام القوم عليه وان الدين منبوذ وراء ظهورهم وعلم أنه إن دخل تحت
حكم ابن زياد تعجل الذل وآل امره من بعد إلى القتل، التجأ إلى المحاربة والمدافعة بنفسه
وأهله ومن صبر من شيعته، ووهب دمه ووقاه بنفسه. وكان بين إحدى الحسنيين: إما الظفر
فربما ظفر الضعيف القليل، أو الشهادة والميتة الكريمة. وأما مخالفة ظنه عليه السلام
لظن جميع من أشار عليه من النصحاء
[ 230 ]
كابن عباس وغيره، فالظنون انما تغلب بحسب
الامارات. وقد تقوى عند واحد وتضعف عند آخر، لعل ابن عباس لم يقف على ما كوتب به من
الكوفة، وما تردد في ذلك من المكاتبات والمراسلات والعهود والمواثيق. وهذه أمور تختلف
أحوال الناس فيها ولا يمكن الاشارة إلا إلى جملتها دون تفصيلها. فأما السبب في أنه
(ع) لم يعد بعد قتل مسلم بن عقيل، فقد بينا وذكرنا أن الرواية وردت بأنه عليه السلام
هم بذلك، فمنع منه وحيل بينه وبينه. فأما محاربة الكثير بالنفر القليل، فقد بينا أن
الضرورة دعت إليها وان الدين والحزم ما اقتضى في تلك الحال الا ما فعله، ولم يبذل ابن
زياد من الامان ما يوثق بمثله. وإنما أراد إذلاله والغض من قدره بالنزول تحت حكمه،
ثم يفضي الامر بعد الذل إلى ما جرى من إتلاف النفس. ولو أراد به (ع) الخير على وجه
لا يلحقه فيه تبعة من الطاغية يزيد، لكان قد مكنه من التوجه نحوه استظهر عليه بمن ينفذه
معه. لكن التراث البدوية والاحقاد الوثنية ظهرت في هذه الاحوال . وليس يمتنع أن يكون
عليه السلام من تلك الاحوال مجوزا أن يفئ إليه قوم ممن بايعه وعاهده وقعد عنه، ويحملهم
ما يكون من صبره واستسلامه وقلة ناصره على الرجوع إلى الحق دينا أو حمية، فقد فعل ذلك
نفر منهم حتى قتلوا بين يديه شهداء. ومثل هذا يطمع فيه ويتوقع في أحوال الشدة. فأما
الجمع بين فعله (ع) وفعل أخيه الحسن فواضح صحيح، لان أخاه سلم كفا للفتنة وخوفا على
نفسه وأهله وشيعته، واحساسا بالغدر من أصحابه. وهذا لما قوي في ظنه النصرة ممن كاتبه
وتوثق له، ورأى من أسباب قوة أنصار الحق وضعف أنصار الباطل ما وجب عليه الطلب والخروج.
فلما انعكس ذلك وظهرت امارات الغدر فيه وسوء الاتفاق
[ 231 ]
رام الرجوع والمكافة والتسليم كما فعل أخوه،
فمنع من ذلك وحيل بينه وبينه، فالحالان متفقان. إلا أن التسليم والمكافة عند ظهور أسباب
الخوف لم يقبلا منه، ولم يجب إلا إلى الموادعة، وطلب نفسه (ع) فمنع منها بجهده حتى
مضى كريما إلى جنة الله ورضوانه. وهذا واضح لمن تأمله، وإذا كنا قد بينا عذر أمير المؤمنين
عليه السلام في الكف عن نزاع من استولى على ما هو مردود إليه من أمر الامة، وأن الحزم
والصواب فيما فعله، فذلك بعينه عذر لكل إمام من أبنائه عليهم السلام في الكف عن طلب
حقوقهم من الامامة، فلا وجه لتكرار ذلك في كل إمام من الائمة (ع) والوجه أن نتكلم على
ما لم يمض الكلام على مثله.
=========
جواب ابن تيمية ان خروج الحسين مفسدة لانها
تسببت بمقتله
اولا نحن لا نعتقد بعصمة سيدنا الحسين رضي
الله عنه
ثانيا القول ان الخروج مفسدة دليل محبة
لان الخروج تسبب بقتله والفعل الفاسد لا يدل على فساد الشخص
وهنا انقل قول ابن تيمة رحمه الله
ابن تيمية يرى أن أن الإمام يخطأ ويصيب
( فعند اهل السنة ان الحسين رضي الله عنه ليس معصوم ) ففي مسألة خروج الحسين عليه السلام
لقتال يزيد يرى ابن تيمية أن ذلك مفسدة لماذا لأن الحسين قتل في ذلك الخروج
ولا يمكن القول بأن خروج الحسين مفسدة من
جهة بغض للحسين رضي الله عنه والدليل على هذا أن ابن تيمية قال :
" ولم يكن في الخروج لا مصلحة دين
ولا مصلحة دنيا بل تمكن أولئك الظلمة الطغاة من سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى
قتلوه مظلوما شهيدا وكان في خروجه وقتله من الفساد ما لم يكن حصل لو قعد في بلده فإن
ما قصده من تحصيل الخير ودفع الشر لم يحصل منه شيء بل زاد الشر بخروجه وقتله
"
لاحظ كلماته :
بل تمكن الظلمة الطغاة >> يعني أن
قتل الحسين عليه السلام كان ظلماً له .
حتى قتلوه مظلوماً شهيدا >>> الحسين
كان شهيداً .
فإن ما قصده من تحصيل الخير ودفع
>> يقر بان الحسين خرج لطلب الإصلاح في أمة جده رسول الله صلى الله عليه وآله
..
بل زاد الشر بخروجه وقتله >> يقر
بأن قتل الحسين عليه السلام زيادة في الشر المنتشر .
=====
و هذا رأيه في قتال طلحة والزبير للإمام
علي عليه السلام :
" فإن الله تعالى بعث رسوله صلى الله
عليه وسلم بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها فإذا تولى خليفة من الخلفاء
كيزيد وعبد الملك والمنصور وغيرهم فإما أن يقال يجب منعه من الولاية وقتاله حتى يولى
غيره كما يفعله من يرى السيف فهذا رأى فاسد فإن مفسدة هذا أعظم من مصلحته وقل من خرج
على إمام ذي سلطان إلا كان ما تولد على فعله من الشر أعظم مما تولد من الخير كالذين
خرجوا على يزيد بالمدينة وكابن الأشعث الذي خرج على عبد الملك بالعراق وكابن المهلب
الذي خرج على ابنه بخراسان وكأبي مسلم صاحب الدعوة الذي خرد عليهم بخراسان أيضا وكالذين
خرجوا على المنصور بالمدينة والبصرة وأمثال هؤلاء
وغاية هؤلاء إما أن يغلبوا وإما أن يغلبوا
ثم يزول ملكهم فلا يكون لهم عاقبة فإن عبد الله بن علي وأبا مسلم هما اللذان قتلا خلقا
كثيرا وكلاهما قتله أبو جعفر المنصور وأما أهل الحرة وابن الأشعث واب المهلب وغيرهم
فهزموا وهزم أصحابهم فلا أقاموا دينا ولا أبقوا دنيا والله تعالى لا يأمر بأمر لا يحصل
به صلاح الدين ولا صلاح الدنيا وإن كان فاعل ذلك من أولياء الله المتقين ومن أهل الجنة
فليسوا أفضل من علي وعائشة وطلحة والزبير وغيرهم ومع هذا لم يحمدوا ما فعلوه من القتال
وهم أعظم قدرا عند الله وأحسن نية من غيرهم "
لاحظ >>> لم يحمدوا ما فعلوه على
عظم قدرهم على الله ( حسب رأيه ) ..
وقد تبين أن ابن تيمية يرى فساد قتال طلحة
والزبير للإمام علي .. وأتضح أنه يرى فساد الموقفين موقف الحسين والزبير رضي الله عنهم
لانه تسبب بمقتلهم